و هي الرؤيا الصادقة الواضحة التي لا تحتاج إلى تعبير أو تكون قابلة للتعبير ، و هي بشرى من الله سبحانه و تعالى يراها الأنبياء و الصالحون ، و هذه الرؤيا تكون بالنسبة إلى الأنبياء من أقسام الوحي ، فعن ابن عباس : إن أول ما ابتدأ به رسول الله صلى الله عليه و آله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم ، و كان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح 13 .
و عن الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السَّلام ) قال : " قال رجل لرسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) : في قول الله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا ... ﴾ 14 قال : هي الرؤيا الحسنة يرى المؤمن فيبشر بها في دنياه " 15 .
و لا شك أن الرؤيا الصادقة حقيقة ثابتة في القرآن و السنة ، فالقرآن الكريم ذكر العديد من الرؤى التي رآها الأنبياء ( عليهم السَّلام ) ، كما ذكر رؤىً أخرى لغيرهم من الناس ، و إليك بعضاً منها :
1. رؤيا النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) التي ذكرها القرآن الكريم : ﴿ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ 16 .
2. رؤيا النبي يوسف ( عليه السَّلام ) التي ذكرت في القرآن الكريم : ﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ 17 .
3. رؤيا السجينين اللذين كانا مع يوسف ( عليه السَّلام ) في السجن و التي عبرها لهما ، و التي ذكرها القرآن الكريم كالتالي : ﴿ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ 18 ... ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴾ 19 .
4. رؤيا ملك مصر التي عبرها النبي يوسف ( عليه السَّلام ) و التي ذكرت في القرآن الكريم كالتالي : ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ * قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ * وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ 20 .
5. رؤيا النبي إبراهيم ( عليه السَّلام ) و هو يذبح أبنه إسماعيل ( عليه السَّلام ) و التي ذكرت في القرآن الكريم كالتالي : ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ 21 .
إلى غيرها من الرؤى المذكورة في القرآن الكريم و الأحاديث الشريفة .
كيف نجعل رؤانا صادقة ؟
و قد يسأل البعض عن إمكانية التوفيق لرؤية الرؤى الصالحة و يقول هل هناك آداب أو سنن خاصة يتمكن الإنسان من اتباعها حتى تصبح منامات الإنسان و رؤاه صالحة ، أم أنها خارجة عن إرادته بالمرَّة .
في الجواب لابد أن نقول ، إن قسما من الرؤى تكون خارجة عن إرادة الإنسان و لا يمكن التحكم فيها ، لكن هناك مجموعة من الآداب و السنن تمكِّن الإنسان من توفير الشروط المناسبة لرؤية الرؤى الصادقة القابلة للتعبير ، و اليك بعضاً منها :
1. أن ينام الإنسان و هو على طهارة ، فقد روي عن أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) : " لا ينام المسلم و هو جنب و لا ينام إلا على طهور " 22 .
2. أن يسبِّح الإنسان تسبيح الزهراء ( عليها السَّلام ) قبل النوم ، و كيفية تسبيحها ( عليها السَّلام ) هو التكبير 23 أربعا و ثلاثون مرة ، ثم التحميد 24 ثلاثاً و ثلاثون مرة ، ثم التسبيح 25 ثلاثاً و ثلاثون مرة .
3. أن يستعيذ النائم بالله عَزَّ و جَلَّ من الشيطان الرجيم و يذكر الله جل جلاله قبل النوم : فقد روي عن الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) في علة تخلف بعض الرؤيا مع كونها في السحر : " ... إلا أن يكون جنبا أو يكون على غير طهور و لم يذكر الله عَزَّ و جَلَّ حقيقة ذكره فإنها تختلف و تبطئ على صاحبها ... " 26 .
و هناك بعض العوامل الأخرى المؤثرة التي تساعد على جعل الرؤيا صادقة و قابلة للتعبير كالوقت الذي يشاهد فيه الإنسان الرؤيا .
وقت الرؤيا :
قال أرباب التعبير : رؤيا الليل أقوى من رؤيا النهار ، و أصدق ساعات الرؤيا وقت السحر 27 .
و رُوِيَ عن أبي سعيد قال : أصدق الرؤيا بالأسحار 28 .
و قال ابن حجر في " فتح الباري " : ذكر الدينوري أن رؤيا أول الليل يبطئ تأويلها ، و من النصف الثاني يسرع ، و إن أسرعها تأويلا وقت السحر و لا سيما عند طلوع الفجر 28 .
و عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السَّلام ) : " أسرعها تأويلا رؤيا القيلولة " 28 .
و عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله ( عليه السَّلام ) الرؤيا الصادقة و الكاذبة مخرجهما من موضع واحد .
قال : " صدقت أما الكاذبة المختلفة فان الرجل يراها في أول ليله في سلطان المردة و الفسقة و إنما هو شيء يخيل إلى الرجل و هي كاذبة مخالفة لا خير فيها و أما الصادقة إذا رآها بعد الثلثين من الليل مع حلول الملائكة و ذلك قبل السحر فهي صادقة لا تختلف إنشاء الله إلا أن يكون جنبا أو يكون على غير طهور و لم يذكر الله عَزَّ و جَلَّ حقيقة ذكره فإنها تختلف و تبطئ على صاحبها فان كان قد دخل فراشه و شق عليه الخروج للوضوء فليتيمم بغبار