الحمد لله الملك الحق المبين
والسلام عليكم ورحمة الله
هذا بيان شافي ومختصر عن كروية الأرض عبر التاريخ
كانت كروية الأرض رائجة في الفكر الحضاري لبلاد ما بين النهرين العراق القديم
واقدم نص تاريخي يظهر هذه الحقيقة هو النص الذي اكتشف لحقبة قديمة أي حوالي سنة ‏2000‏ ق‏.‏م
وانتقلت هذه الفكرة بانتقال العلوم من بلاد ما بين النهرين الى اليونان وقد صرح بها فيثاغورس وغيره من الفلاسة في حدود القرن السادس قبل الميلاد وهو القرن الذي نقل وظهر فيه علم التنجيم البابلي في اليونان ومنها أي من اليونان انتقلت هذه الفكرة الى سائر اصقاع الأرض البعيدة
وكانت حجج فلاسفة وعلاماء واهل ذلك الزمان هي نفس الحجج التي ساقها لاحقا الفيلسوف الكبير بن سينا في اثباته لكروية الأرض وسنرفق ما اثبت به بن سينا كروية الأرض اخر الموضوع
ولكن كان هناك اراء وأفكار أخرى لا توافق على هذه النظرية
وكان من اشد أعداء ومخالفين هذه النظرية هم اتباع الأديان عامة والأديان الابراهيمية خاصة
فقد توارث أصحاب الأديان الابراهيمية نظرية قبة السماء التي تغطي الأرض المسطحة
أي ان الأرض مسطحة ومنبسطة وتغطيها قبة سماوية تظهر فيها النجوم والكواكب كما جاء في كتاب العهد القديم وما بعده
وهي كما في هذه الصورة المرفقة
تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

هكذا توارث الفلاسفة وعلماء الفلك فكرة كروية الأرض عبر بلاد ما بين النهرين مرورا باليونان وفلاسفتها ثم انتقلت هذه الفكرة الى العالم الإسلامي فاعتنقها كل من يؤمن بالفلسفة الاغريقية
كابن سينا والرازي وابن الطفيل وغيرهم الكثير
وقد نظر وحقق هذه النظرية بن سينا في فصل كامل في كتابه الهيئة أي الفلك
وهذا ما كتبه بن سينا بيده في فصل كامل حيث عنون الموضوع وبينه فقال

فصل في أن الأرض كرية عند الحس
وقد يدلنا على كون الأرض كريه في الحس تقدم طلوع ما يطلع وغروب ما يغرب وتأخرهما عن أهل
البلدان الطويلة وظهور ما يظهر أبدا وغيبة ما يغيب أبدا على البلدان العرضية تقدما وتأخرا وظهورا
وغيبة توجبه الكريه ويظهر حال الطول بالكسوفات القمرية وحال العرض بكواكب القطبين ولو كانت
الأرض مقعرة لطلعت الكواكب على الغربيين أولا وتأخرت عن الشرقيين وليس كذلك فقد رصدت
كسوفات القمر الواحد بأعياا فوجدت تكون عند الشرقيين في ساعات من ليلهم أكثر وعند الغربيين في
ساعات من ليلهم أقل ووجد التفاوت في ذلك على ما توجبه كريه الأرض ولو كانت مسطحة لكن
الطلوع والغروب في الآفاق في وقت واحد وما يتضرس بسبب الجبال والأراضي المرتفعة فيجب أن لا
يكون له قدر محسوس ولو كانت مضلعة بأضلاع مسطحة تخرجها عن أن تكون بالجملة كريه عند الحس
لكان طلوع الكواكب وغروا إنما يكون على سكان سطح واحد في ساعة واحدة ويخالف في ذلك سائر
السطوح بما له قدر إلا أن تكون السطوح بحيث لا تؤثر في كريه الجملة أثرا محسوسا على ما عليه الوجود
ولكنا نجد تأخر ساعات الكسوفات وتقدمها في المساكن على الطول من المشرق إلى المغرب على ما
توجبه كريه الأرض وكذلك حال طلوع الكواكب وغروا دون ما يوجبه تسطيح واحد أو تسطيح
كثير ولا يجوز أن يكون شكلها اسطوانيا يحدث سطحه في الطول من المشرق إلى المغرب وله سطحان
مسطحان إلى القطبين وإلا لكان طلوع الثوابت وغروا على سكان سطح واحد بين القطبين واحدا
ولكان ما يخفي ويظهر واحدا عند الجميع بل لم يكن سكان الاستدارة يرون شيئا من الكواكب دائم
الظهور فلما كان حال ما من المشرق إلى المغرب في هذه المعاني كحال ما من الشمال إلى الجنوب
فالتحديب في الجهات على السواء وسطح الماء في البحر كرى أيضا ولذلك إذا كنا في البحر وكان بالبعد
منا جبل فأول ما يظهر منه رأسه ثم يظهر ما تحته قليلا قليلا كان مستورا لا محالة دون رأسه فلا ساتر
دونه غير حدبة الماء. انتهى كلام الشيخ الرئيس بن سينا رحمه الله


وقد انكر اهل الحديث والتفسير هذه النظرية لانها تخالف كتاب الله
فقال صاحب تفسير الجلالين
والى الأرض كيف سُطِحَتْ
أي بُسِطـَت، فيستدلون بها على قدرة الله تعالى ووحدانيته، وصدرت بالإبل أشد ملابسة لها من غيرها، وقوله سُطحت ظاهر في أن الأرض سطح، وعليه علماء الشرع لا كرة كما قاله أهل الهيئة(الفلك) .



تفسير القرطبي وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ
لَمَّا بَيَّنَ آيَات السَّمَاوَات بَيَّنَ آيَات الْأَرْض ; أَيْ بَسَطَ الْأَرْض طُولًا وَعَرْضًا وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِي أَيْ جِبَالًا ثَوَابِت ; وَاحِدهَا رَاسِيَة ; لِأَنَّ الْأَرْض تَرْسُو بِهَا , أَيْ تَثْبُت ; وَالْإِرْسَاء الثُّبُوت ; قَالَ عَنْتَرَة : فَصَبَرْت عَارِفَة لِذَلِكَ حُرَّة تَرْسُو إِذَا نَفْس الْجَبَان تَطَلَّع وَقَالَ جَمِيل : أُحِبّهَا وَاَلَّذِي أَرْسَى قَوَاعِده حُبًّا إِذَا ظَهَرَتْ آيَاته بَطَنَا وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَعَطَاء : أَوَّل جَبَل وُضِعَ عَلَى الْأَرْض أَبُو قُبَيْس. مَسْأَلَة : فِي هَذِهِ الْآيَة رَدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَرْض كَالْكُرَةِ ثم يقول وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْل الْكِتَاب الْقَوْل بِوُقُوفِ الْأَرْض وَسُكُونهَا وَمَدّهَا , وَأَنَّ حَرَكَتهَا إِنَّمَا تَكُون فِي الْعَادَة بِزَلْزَلَةٍ تُصِيبهَا.


تفسير الطبري
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْض } يَقُول ـ تَعَالَى ذِكْره ـ : وَاَللَّه الَّذِي مَدَّ الْأَرْض , فَبَسَطَهَا طُولًا وَعَرْضًا.

ود ذكر عبد القاهر البغدادي المتوفى في عام 429 هـ اجماع اهل السنة على نفي كروية الارض وعلى وقوفها وسكونها حيث ذكر قال في كتابه الفرق بين الفرق: ص330
إن أهل السنة أجمعوا على وقوف الأرض وسكونها وأن حركتها إنما تكون بعارض يعرض لها من زلزلة ونحوها
واستدل على بسط الارض في كتابه أصول الدين ص 124 "بمعنى اسم الله الباسط " فقال: لأنه بسط الأرض وسماها بساطاً خلاف زعم الفلاسفة والمنجّمين* أنها كروية.. انتهى
بل زاد على غيره فقال : وأجمعوا على أن الأرض متناهية الأطراف من الجهات كلها

وقال صاحب المواقف الأيجي : إن الأرض مبسوطة وأن القول بأنها كرة من زعم الفلاسفة
لكن مع هذا فهناك من علماء المسلمين من أراد التوفيق بين القران وكروية الأرض فحور كلمات ككلمة دحا ولكنهم لم يوفقوا كون اللغة العربية لا تؤيدهم في مسعاهم

ولنأتي بشاهد واحد من تفسير الميزان للسيد الطباطبائي لمعنى دحا
قال في تفسير سورة النازعات
و قوله: «و الأرض بعد ذلك دحاها» أي بسطها و مدها بعد ما بنى السماء و رفع سمكها و سواها و أغطش ليلها و أخرج ضحاها.

وعليه لن نجد اية اواحدة تقول بكروية الأرض فهذا ظاهر القران واضح ويفيد بسط الأرض ومدها

هذا بحث مختصر عن كروية الأرض
والسلام عليكم ورحمة الله