علم التنجيم أو علم النجوم له مرادفات أخرى منها : النجامة و التبريج و التفلك و أشهرها عند العرب الأحكام النجومية , و يعرف عند الغربيين باسم الأسطرولوجيا , و هي كلمة مكونة من كلمتين : أسطرون و تعني النجم , و لوجس و تعني الخطاب , أي خطاب أو حديث النجوم . و العراف الذي يمتهن هذا العلم يسمى منجما أو أحكاميا . و الأحكام النجومية هي صناعة الإخبار بالحوادث من النظر في الكواكب و الحوادث العلوية . و كان العلماء لا يفرقون بين علم الهيئة و الأحكام النجومية , فكان المتكلم في حركات النجوم و علاقاتها بعضها ببعض هو نفسه الذي ينبئ بالحوادث المقبلة من النظر لتلك الحركات , و لم يميز بين هذين العلمين إلا حوالي القرن 18 الميلادي .

عن كتاب مفاتيح الغيب لأحمد موسى الزرقاوي الفلكي المصري :
هو علم تعرف به الأفعال الصادرة عن الكواكب و تأثيراتها في ما دون فلك القمر و هو الأرض و ما أحاط بها بالتجربة و القياس .
و قد بلغ من الصعوبة و تعسر الوقوف عليه إلى أن ظن البعض أنه لا يدركه أحد البتة . لأن ما يستعمل فيه هذا العلم النجومي و هو ما دون فلك القمر كالهواء و أشخاص الإنسان مطبوع على الإنتقال و التغير فلا يثبت على حالة واحدة حتى يتحقق الإنسان له قواعد يسير عليها ــ و كثير من الناس يجحدون منفعته و يقولون هو شيء يحصل بالإتفاق و المصادفة و ليس عليه برهان
و نحن نقول إن الإتفاق إذا دام و وقع في أكثر الأحوال فهو أحد البراهين على أننا نرى الشمس تسخن و إستمرت التجربة على أن القمر يرطب و فصول السنة تتغير و يختلف هواؤها في الحر و البرد و الأنداء و الأمطار بحسب إتصالات الكواكب بعضها ببعض و هذا عيان لا يمكن دفعه يقوم مقام البرهان .

و يجب على طالب هذا العلم أن يتستر به جهد طاقته لأنه في الغالب يضر بصاحبه إذا تظاهر به . و عليه أن يعتقد أن الله عز و جل سخر الكواكب في أفلاكها كما في قوله تعالى : ( و النجوم مسخرات بأمره ) و أنه ركب فيها طبائعها كحرارة الشمس و أنه قدر سيرها ( ذلك تقدير العزيز العليم ) و أنها إمارات و علامات قرن الله الوقائع و الحوادث بهيئة خاصة تخصها كما قرن الشبع بالخبز و الري بالماء و الإحتراق بالنار و القطع بالسكين خلافا للمعتزلة في دعوى التأثير بهذه الأشياء . فلو أراد سبحانه و تعالى تغير حكمتها إلى جهة ما و إبطال دلالتها و إنقلاب هيأتها أو أراد أن يجعل الشمس باردة و القمر حارا لفعل هذا كله يفعل ما يشاء فيمن يشاء لا معقب لحكمه .

و على طالبه أيضا أن ينوي به الإطلاع على مصنوعات الله تعالى . و أنه إمتثل قوله عز و جل : ( أو لم ينظروا في ملكوت السموات و الأرض ) و ليس المراد النظر بالعين المجردة عن التدبر و التفكر فإنه مما قد تشارك فيه البهائم كما قاله الإمام الغزالي ــ بل النظر بإمعان و تأمل في هذا الكون الباهر و في سير الأجرام العلوية و حركاتها حتى يحصل للمتأمل العلم القطعي بوجود صانع لها مدبر حي عالم قادر حكيم .

و لهذا لما نظر إبراهيم الخليل إلى النجوم مستدلا بها على الحق إستحق الثناء في محكم التنزيل قال تعالى : ( و تلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ) .

و النظر في النجوم تعتريه الأحكام الشرعية الخمسة . الوجوب و الندب و الحرمة و الكراهة و الإباحة .
فالواجب الإستدلال بها على أنواع العبادات كالصلوات .
و المندوب النظر في أجرامها و إختلاف حركاتها للإطلاع على آثار حكمة الله فيها فإن ذلك مما يزيد في الإيمان و يكمله ــ و كمال الإيمان مندوب ــ
و الحرام النظر فيها مع الإعتقاد بأنها مؤثرات و فاعلات في الالم بطبعها . بل ذلك كفر و لو ضعفه الإمام فخر الدين قياسا على عدم تكفير المعتزلي بإعتقاده المار
و المكروه النظر في دلالتها مع الإعتقاد بأنها لا تأثير لها في العالم بالطبع بل بشكل مخصوص .
و المباح النظر فيها للإستدلال بطلوعها و غروبها على الماضي من الليل و النهار و ما أشبه .

فلك البروج كما تخيله الفنان العربي

فلك البروج كما تخيله الفنان العربي


و كان حكماء العرب يصنفون علم الهيئة أي علم الفلك في المرتبة الرابعة من العلوم العقلية و كان من فروعه الأزياج و الأحكام النجومية . أما الآن فعلم التنجيم علم مستقل بذاته و إن كان يعتمد على علم الفلك في حساب الهيئة الفلكية , إلا أنه يصنف مع العلوم الروحانية و فنون العرافة .
ومهما تعمقنا في التاريخ فإننا نجد بقايا لعلم الأحكام النجومية ,فقد عمل به الرومان و الإغريق و قدماء المصريين في عهد الفراعنة , و من قبلهم كانت طائفة الكهان عند البابليين و السومريين يحفظونه و كانت مهمتهم تقتضي مراقبة النجوم و إخبار الملوك بكل ظاهرة غير عادية . و كان التنبؤ بالكسوفات و الخسوفات كذلك ذا أهمية كبرى . و في تلك الفترة كان التنجيم يسخر للملوك و الكهان أساسا و استعمل بالخصوص لإدارة شؤون الحاضرة أو الدولة .
و خلدت لنا الحضارات القديمة التي شيدت الأنصاب الحجرية ستونهينج في سهل ساليبوري بإنجلترا كشاهد قوي على معرفتها بالتنجيم , و تعد ستونهينج نوعا من التقويمات تسجل فيها حركات فصول السنة . و في أمريكا الجنوبية و الوسطى بلغت شعوب الأزتيك و المايا درجة عالية من الدقة في حساب سير الكواكب و النجوم , و كانوا يعتبرونه عملا ضروريا لتحديد تواريخ الأعياد و المناسك الدينية , و رغم التخريب الذي ألحقه المعمرون الأوروبيون بهذه الحضارات, بقيت بعض الآثار من علومها مسجلة في الحجر المعروف بأنصاب الزمن . و في الصين يبدأ التقويم الصيني القديم في سنة 2637 قبل الميلاد , و لم يكن يتم الجزم في أمر من أمور البلاط الإمبراطوري إلا بعد استشارة النجوم .
غير أن حضارات المايا و الأزتيك و الصينيين استعملوا أحكاما نجومية تختلف كثيرا في دلالاتها عن التنجيم الذي نعمل به و الذي ترعرع في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط .
و لعب العرب دورا كبيرا في ازدهار علم التنجيم فهم من أحيى التراث التنجيمي اليوناني و مزجوه بتراث الحضارات الأخرى التي كانت تحت سيادة إمبراطوريتهم خصوصا التنجيم الفارسي و الهندي , فظهر إلى الوجود الأحكام النجومية العربية , و ذاع صيت المنجمين العرب و ترجمت مصنفاتهم إلى اللغة اللاتينية و عمل بأحكامهم منجموا الغرب فترة طويلة , و أشهر الأحكاميين العرب أبو معشر جعفر بن محمد بن عمر البلخي المتوفى عام 886 م كأعظم علماء العرب في علم الأحكام النجومية و أشهر كتبه كتاب المدخل إلى علم أحكام النجوم , و كذا الفيلسوف الكندي و و بالمغرب الأقصى اشتهر إبن البناء و إبن أبي الرجال وإبن قنفذ و بالأندلس لا يزال ذكر مسلمة المجريطي كأحد كبار الحكماء .

و لم يتم التمييز بين علم التنجيم و علم الفلك إلا حديثا خلال الثورة العلمية في القرن 18 م في أوربا .
و علم التنجيم كما نعرفه نقل إلينا عن طريق اليونان الذين أخذوه عن المصريين القدماء و الكلدانيين , و أشهر كتاب في علم التنجيم هو التيترابيبلوس الذي اشتهر عند العرب باسم المقالات الأربع , مؤلفه كلود بطليموس صاحب كتاب المجسطي الغني عن الذكر و كتاب الجغرافيا و كتاب الثمرة , و كان يعيش بالإسكندرية في القرن الثاني الميلادي
و أصبح كتاب المقالات الأربع المرجع الرئيسي في أصول علم التنجيم عند المنجمين المعاصرين , مع العلم أنه ترجم عن العربية
و بعدما عرف علم التنجيم انتشارا كبيرا , في العصور الوسطى تعرض هذا العلم للكسف ابتدءا من القرن 17 و 18 م , فبعد إبعاده عن الجامعات , أصبح يصنف ضمن العلوم الروحانية و فنون العرافة , و ظل منتشرا في العالم الإسلامي إلى أن اندثر و انمحت آثاره مع قدوم الإمبريالية الأوروبية .
و جاء عصر النهضة التنجيمية في أوربا في نهاية القرن 19 م تحت زخم بول شوازنارد بفرنسا و فون كلوكلر بألمانيا , و منذ ذلك الوقت أصبح علم التنجيم يسترد ما انتزع من حقوقه , و رغم أنه لم يستعد بعد مكانته القديمة فإنه مستمر في تطوره .

أما في عالمنا العربي فقد ظهرت في أوائل القرن العشرين و حتى بداية إستقلال بلدان العالم الإسلامي من نير الإحتلال الأجنبي مجموعة من فطاحلة علم التنجيم و الفلك للأسف لم يهتم المؤرخون بذكر أسمائهم المعروف منهم كان في القطر المصري نذكر منهم: حسين زايد صاحب زيج المطلع السعيد و عبد الحميد مرسي غيث الفلكي صاحب تقويم :المناهج الحميدية في حسابات النتائج السنوية, احمد موسي الزرقاوي الفلكي صاحب كتاب :مفاتيح الغيب, و السيد عبد الفتاح الطوخي الفلكي المعروف و له أعمال قيمة أهمها: تقويم السماء و الأرض و الفضاء, و كتاب أحكام الحكيم في علم التنجيم و قد نبغ هؤلاء الفلكيون و المنجمون في العهد الملكي لمصر و على أيديهم أسس معهد الفتوح الفلكي الذي لا نعرف عنه الشيء الكثير. و منهم بباقي أقطار العالم العربي من بقي مجهولا رغم ما خلفوه من تحقيق للتراث الفلكي و التنجيمي العربي ما لم ينشر لحد الآن من كتب و مصنفات إنقطعت آثارها نذكر منه بينهم بسوريا العالم الجليل المشهور ب: الدكتور من بين تحقيقاته كتاب المدخل لأبي معشر و كتاب الملل أبي معشر و الدول و كتاب البارع لإبن أبي الرجال

أحمد موسي الزرقاوي السيد عبد الفتاح الطوخي الفلكي


و في الوقت الراهن يتوافق علم التنجيم القديم مع علم التنجيم العلمي العصري أو ما يسمى بالخطأ التنجيم الغربي , فالأبحاث كثيرة و أصبحت تعتمد على الإحصائيات بكثرة من لدن مجددي هذا العلم , و النتائج تتطابق بشكل عام مع الأصول القديمة , و يبقى هناك مجال واسع يجب تغطيته لوضع هذا العلم في زمن العالم المعاصر , لكن في كثير من أرجاء العلم ينكب على ذلك عدد من الأحكاميين .
و لا يزال قسم كبير من تراثنا التنجيمي العربي الكبير يحتاج لمن يرفع النقاب عنه و يدرسه و يجدده , و ينفض عنه غبار المكتبات الخاصة و ينشره ليطلع عليه كل الناس .